ملخص المقال
يعد شهر رمضان المبارك فرصة للتدبر وخاصة أن كتاب الله عز وجل يظل في أيدي الكثيرين منا لفترات طويلة قبل أن يطوى ولا ينشر إلا في رمضان القادم
تعالوا معنا نتدبر القرآن، أو كما قال عظيم من سلف هذه الأمة لأخٍ له: "تعالَ بنا نؤمن ساعة". كانوا يتداعون للخير، وكل منهم يلين لأخيه بتواضع جمٍّ؛ من أجل ترسيخ الإيمان في النفوس المتعطشة. لذا كان جيلاً قرآنيًّا فريدًا لم تختلط لديه الأمور، ولم تكن الموارد الثقافية لديه بالغة التعقيد؛ فالحنيفية السمحة الغضّة كانوا حديثي عهد بأخذها من المصدر رسول الله r، ولم تكن لذواتهم حظ من الاستكبار والبغي في الأرض بغير الحق.
هؤلاء في مقابل فئة فيها من صفات الانتفاخ والعلو، وعشق الذات والمكانة، يأمرون فيطيع العامة، ولا مانع أن تكون حولهم هالة من القداسة المفرعنة على غرار من كان يدَّعِي أنه ربهم الأعلى {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: 25، 26].
والتعبير الدال على "البغي في الأرض" جاء في القرآن سبع مرات للدلالة على أنّ هؤلاء من الفئة التي تقود -غالبًا- فئام الناس والعامة، طوعًا أوكرهًا، ويتبعها العامة، فلن تكون لهم الدار الآخرة وما أعدّ الله فيها لمنْ آمنَ وعمل صالحًا ثم اهتدى. ويأتي الله بقول جامع: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]. فكلما عظُم انتفاخُ الإنسان وازداد عُلوًّا في الأرض وإفسادًا، فَقَد المآل والمستقرّ الحَسَن عند حَكَمٍ عدْل لا يظلم أحدًا.
ورمضان فرصة للتدبر وخاصة أن كتاب الله U يظلُّ في أيدي الكثيرين منا لفترات طويلة قبل أن يطوى ولا ينشر إلا في رمضان القادم. وكثير من الهاجرين للقرآن يدعون مع الداعين كل عام: اللهم بلغنا رمضان؛ لأنّ رمضان يحمل متعة اجتماع الأسرة. ولا مانع أن نكون في "الخيمة الرمضانية" ويحلو السهر وساعة لقلبك وساعة لربك؛ فلجانب العبادة المركّزة المضاعفة الأجر يوجد الترفيه المركز حيث تحشد قنوات الإعلام من ناحية والخيام الرمضانية والملاهي كل طاقاتها من أجل عدم الإبقاء على بقية من آثار العبادة التي يسعى الرمضانيون إلى تخصيص وقتٍ لكل منها، ويكون حريصًا على الإكثار، والتركيز، و..
كأنّ رمضان فقط الشهر الذي تجتمع فيه العبادات المتعددة التي تدعم بناء النفس بناءً متكاملاً، ودونه لا يستطيع المسلم أن يجمعها في شتّى شهور العام، وهذا تقصير منا وسوء سيرة مع الله. ولا شك أنّ الأجر عظيم في الشهر الكريم ، ولكن لا نهمل خلال العام باقي العبادات؛ فرَبُّ رمضان رب غيره من الشهور. نعم، فضل رمضان أكبر، وأجره أعظم، ولكن من ثمرات الطاعة، ومن علامات قبولها أن تترك أثرًا من طاعة مناظرة، فالطاعة تحتاج إلى ثبات، ومن علامات قبول الخير أن يستمر ولو في صورة أقل كحدّ أدنى.
كيف يمكن أن نظلَّ على ثباتنا في الطاعات كما كنا في رمضان؟
الله I يقول:{وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل: 92]. المثل القرآني لامرأة في الجاهلية كان اسمها رايطة التميمية من الطائف، وكانت يضرب بها المثل في الحمق، حيث كانت تعمل في غزل الصوف فإذا انتهى النهار قامت بإعادته مرة أخرى إلى حالته الأولى. وحال الكثيرين منا في رمضان كهذه المرأة، فبمجرد انتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي، ويتمنى آخرون مع لذة الاستقامة في رمضان أن تكون السنة كلها رمضان، وهذا محال إلا لمن وفَّقه الله!
نَعَمْ، من الصالحين الموفَّقين من لا تختلف حاله سائر العام عن حاله في رمضان.
الشيطان لك بالمرصاد، فهل أنت له بالمرصاد؟ فهو لم يتنازل عن خطته نحوك، فهل تتنازل عن خطتك نحوه؟ فالله -جلَّ ثناؤه- يقول لي ولك: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]. وهذا ما يفعله معك في أول يوم بعد رمضان، يسعى لإيقاعك في معصية كبيرة؛ كي يهدم كل ما فعلته في رمضان من طاعات، فهل سنكون مستسلمين له أم أننا سنخطِّط على ألاَّ نعصي الله؟!
التعليقات
إرسال تعليقك